لقراء كتاب لو أصبحت رئيساً لمصر

من يرغب أو يتوقع أن يقرأ فى هذا الكتاب أى كلمات جارحة غير مسئولة أو نقد غير موضوعى أو تطرف لفكرة ما أو تعصب أعمى لفريق ما ... ومن يطمع أن يقرأ كتاباً يدعو لانقسام أو يستثمر التنازع ويغذى الصراع ويؤجج النار المشتعلة أو يشعل ما خمد منها ... فليسمح لى أن أنصحه بعدم إستكمال القراءة ... فلن يجد ما يبحث عنه ... فطبيعتى الشخصية المعتدلة ومهام ومسئوليات المنصب الرفيع الذى أتحدث عنه وما يقتضيه هذا المنصب وما يحتاجه من عدل عند الحكم وموضوعية فى التحليل ووسطية فى التفكير وعقلانية فى القرارات وحرص على كل أبناء الوطن والمساواة بينهم فى الحقوق والواجبات والعمل على النهوض بهم جميعاً ... كل ذلك يمنع وينفى أن يجد الباحث عن التطرف أو التعصب مبتغاه فى هذا الكتاب ...

لقراء كتاب لو أصبحت رئيساً لمصر

مصالحة مجتمعية

مصالحة مجتمعية

مصالحة مجتمعية

1163 - كنت أتمنى ألا أكتب فى هذا الباب إلا اسمه فقط بدون أن أكتب أى تفاصيل ... والسبب فى هذا يرجع إلى إيمانى الكامل بضرورة إجراء مصالحة مجتمعية نحن فى أشد الحاجة إليها ... وفى نفس الوقت فإننى لم أكن طرفاً يوماً فى أى انقسام مجتمعى ... ولن أستطيع بمفردى أن أرسم خريطة طريق للمصالحة المجتمعية ... فالمصالحة المجتمعية وكما يظهر من اسمها هى مصالحة يقوم بها المجتمع كله وليس فرداً ، أو فصيلاً واحداً ، أو طرفاً واحداً ؛ وإنما يجب أن يشترك فيها ويؤمن بها ويسعى إليها الجميع ... بعد أن يكونوا قد عاشوا مرحلة الخلاف وعانوا من ويلاتها وتكبدوا خسائرها وعانوا من استمرارها ... وأدركوا استحالة أو صعوبة العيش معها أو التقدم فى ظلها ...

ورغم أننى لن أقدم تصوراً محدداً لكيفية إجراء المصالحة إلا أننى أيضاً لابد وأن أقدم أفكارى حول المصالحة المجتمعية :-

1164 - المصالحة المجتمعية ضرورة نص عليها الدستور المصرى الحالى فى المادة رقم ( 241 ) والتى جاء نصها كالتالى :-

" يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة , والمحاسبة ، واقتراح أطر المصالحة الوطنية ، وتعويض الضحايا ، وذلك وفقاً للمعايير الدولية " .

وطبقا لهذه المادة من الدستور المصرى الحالى تصبح المصالحة المجتمعية ضرورة إلزامية على كل المجتمع وعلى كل مؤسساته وعلى كل أفراده ... وبذلك فليس من حق أحد أن يرفضها أو يتحفظ عليها ... فهى أمر دستورى بنص دستورى على كل المجتمع أن يلتزم به ... سواء رغب فيها أم لم يرغب ...

1165 - الأوطان ليست فصيلاً واحداً ... والمجتمعات ليست نوعية واحدة من البشر ... ومهما ظهرت صفات واحدة فى المجتمع ... ومهما انتشرت وتكررت عادات فى المجتمع ... فالطبيعة الأساسية التى تتكون منها المجتمعات هى الاختلاف ، هكذا خلقنا الله سبحانه وتعالى ، وهكذا أراد لنا أن نكون ، خلقنا مختلفين فى الشكل واللون والجسم ... خلقنا مختلفين فى المهن والأعمال والهوايات والميول ... خلقنا مختلفين فى الدين والفكر والعقيدة والفلسفة ... خلقنا مختلفين فى الذكاء والغباء ... وفى العلم وفى الجهل ... خلقنا مختلفين فى الغنى والفقر ... وفى الحب والكره ...

خلقنا مختلفين فى بصمات اليد ... وبصمات الصوت وبصمات العين ... خلقنا مختلفين لا لأن أحدنا أفضل من غيرنا ... لا ... بل خلقنا مختلفين لكى يختبرنا ويمتحننا ... وهل سيرحم القوى منا الضعيف .. ؟ وهل سيعلم العالم منا الجاهل .. ؟ وهل سيتواضع الكبير منا للصغير .. ؟ وهل سيتقبل المنتصر منا المهزوم .. ؟

خلقنا مختلفين ... والكثير منا لا يعرف الآخر ولا يفهمه ... ولذلك أمرنا بأن نتعارف ... وأن نتناقش بالحكمة والموعظة الحسنة ...

خلقنا مختلفين ... وأمرنا بأن نصبر على بعضنا البعض ...

خلقنا مختلفين ... لنكمل بعضنا البعض ... لأننا نحتاج إلى بعضنا البعض ... ولأننا لا نستطيع أن نستغنى عن بعضنا البعض ... خلقنا مختلفين وأمرنا أن نتعاون على ما فيه البر والتقوى والخير والمنفعة ... خلقنا مختلفين ونهانا عن أن نتنازع وإلا فإننا سنفشل وستضيع قوتنا  وتتبدد ...

1166 - وبناء على كل ما سبق ... فإن الشعوب والمجتمعات التى فهمت الاختلاف وقبلت به وتعاملت معه واستثمرته نجحت وتقدمت ونهضت وسعدت ...

وعلى العكس من ذلك ... فإن الشعوب والمجتمعات التى رفضت الاختلاف ولم تفهمه ... وحاولت وعملت وسعت إلى إقصاء المخالفين أو القضاء عليهم أو تهميشهم ... هذه الشعوب انقسمت وتشتتَّت وأهدرت قوتها ووقتها ومواردها وطاقاتها ... فضعفت وهانت ...

انهزمت مع نفسها ... فانهزمت أمام أعدائها ...

بددت قوتها مع بعضها البعض ... فلم تجد لها قوة تقف بها أمام أعدائها ... صارعت نفسها ... فلم تستطع أن تصمد أمام أعدائها ...

1167 - إن المصالحة المجتمعية لا تعنى التنازل عن الثوابت الفكرية السلمية ... ولا تعنى التنازل عن الانتماء أو الهوية ، والقبول بالاختلاف لا يعنى الذوبان فى الآخر ... أو حتى الإيمان بأفكاره واعتناقها ؛ وإنما تعنى المصالحة المجتمعية تقريب وجهات النظر المختلفة وبناء جسور جديدة من التواصل ... وفتح الأبواب المسدودة وإزالة الجلطات الموجودة فى شرايين المجتمع ، والتى تعيق الجميع عن العمل والحياة ...

1168 - جلوس أطراف أى خلاف على طاولة المفاوضات لا يعنى انكسارهم أو هزيمتهم فى معركتهم مع الطرف الآخر ... بقدر ما يعنى حكمتهم فى إدارة الخلاف ... وتفضيلهم العقل على الصراع ، وانحيازهم للمستقبل الذى يريدون صناعته على الماضى الذى لن يستطيعوا تغييره ... المصالحة المجتمعية تعنى أن يتنازل كل طرف قليلاً من أجل أن يكسب ويكسب الجميع كثيراً ...

1169 - المصالحة المجتمعية تعنى تفضيل إعمال العقل على استعمال العضلات ... وتغليب الحكمة على الغباء ... وتفضيل للعفو على الانتقام ... واختيار للتسامح بدلاً من الاستعداء وتوجيه الطاقات من أجل الإعمار وليس الدمار ...

المصالحة المجتمعية هى إقرار من الأغلبية والأقلية بحق كل منهما فى العيش ، وتعبير عن احترامهما لبعضهما البعض ... وأن الوطن لهم جميعاً ... ومع الاعتراف بحق كل منهما فى وطنه فإنه يقر بأن الوطن ليس ملكاً خالصاً له ولا لفصيله لوحده ؛ بل هو ملك الجميع ... وأن المصالحة سوف تحقق هذا الشعار وتنقله من مرحلة الشعار النظرى إلى مرحلة التطبيق الواقعى ...

1170 - المصالحة قبل الإصلاح فلن يتم أى إصلاح فى بلادنا ، ولن تتم أى تنمية ، ولن يحدث أى تقدم فى أحوال مجتمعنا إلا بعد أن تحدث المصالحة المجتمعية ... فالمجتمع مثل جسم الإنسان تحاربه ميكروبات وفيروسات كثيرة وتسبب له أمراضاً وآلاماً كثيرة ، وكلما كان الجسد قوياً محصناً استطاع هزيمة الميكروبات والفيروسات ... أما الانقسام المجتمعى فهو بمثابة السرطان الذى يهاجم الجسد وخطورة السرطان أن خلايا الجسد تهاجم بعضها ... فالمرض لا يأتى من الخارج بل من داخل الجسد ... والانقسام المجتمعى فى أى بلد هو أقرب ما يكون إلى السرطان ... واستمراره وعدم العلاج منه مبكراً سيسمح للمرض بأن ينتشر ويدمر خلايا المجتمع كله ...

وهكذا لا يمكن تخيل مجتمع صحى ناجح متماسك مترابط منتج متقدم فاعل بينما نسمح ونترك سرطان الانقسام يسرى فى جسده ، ويدمر أجهزته ، ويستنزف طاقاته ، وموارده ... وبالتالى فإن أى محاولات للإصلاح قبل إقرار المصالحة ستذهب سدى ، وسيكون مردودها هباء لا يسمن ولا يغنى من جوع ...

 

1171 - من أهم أسباب مشاكلنا فى مصر انقسامنا على أنفسنا وبين أنفسنا ... وضد أنفسنا ... وأننا وبسبب غياب الهدف القومى الواحد الذى يجب علينا جميعاً أن نؤمن به ونتحد من أجله ... ونسعى من أجل تحقيقه ونجاهد من أجل تنفيذه ... بسبب غياب هذا الهدف القومى انغلقنا على أنفسنا وانشغلنا بأنفسنا ؛ فانقسمنا فتنازعنا ففشلنا ... وأصبح أكبر اهتماماتنا أن نشوه أنفسنا ... وأن نقلل من أنفسنا ... وأن نشكك فى أنفسنا ... وأن نخون أنفسنا ... وأن نتهم أنفسنا فأصبحنا نبحث بعيوننا عن أخطائنا ... ونتناقل أخبار أسوأ ما فينا ... ونعطيها كل اهتماماتنا ... ونزيد عليها ونزايد من وحى خيالنا ؛ وبمرور الوقت وباستمرار انقسامنا لم يعد هناك فصيل واحد فى المجتمع لا يخلو من الاتهامات والتشويه ... واندفع الكثيرون إلى تشويه الجميع ... فرجال الأعمال والتجار يتم اتهامهم بتهم معينة ... والموظفون بتهم أخرى ... ورجال المرور ... والمدرسون ... والقضاة ... وموظفو الأحياء ... وأصحاب المصانع ... ورجال الشرطة ... وسائقى التاكسى ... ورجال الجيش ... وملاك العقارات ... وأعضاء البرلمان ... والإعلاميون ... ورجال الدين ... وهكذا أصبحت الاتهامات تطول الجميع ، وأصبحت القاعدة استثناء ، وتحول الاستثناء إلى قاعدة ، وأصبح الأصل فى الإنسان أنه متهم وليس بريئاً ...

وبعد أن دخلنا جميعاً وبأنفسنا دائرة الاتهامات والتشكيك المغلقة والتى لم ينج منها أى فصيل ... والتى دفعت كل الفصائل ثمنها ... لم يعد أمامنا للخروج من هذا التردى والانهيار إلا إجراء مصالحة مجتمعية قائمة على الشفافية والصراحة واحترام الجميع للجميع ... مصالحة تبنى ولا تهدم ... تجمل ولا تشوه ... تثق ولا تخون ... من أجل مجتمع يليق بنا ... ونليق به ...

1172 - من يرفضون أو يستبعدون إجراء مصالحة مجتمعية فى مصر عليهم أن يتذكروا أننا نحن المصريين أول من أقام معاهدة سلام فى التاريخ ... وأننا أقمنا معاهدة سلام فى سبعينيات القرن الماضى مع إسرائيل ... بعد أن كانت بيننا وبينهما أربعة حروب وعشرات المعارك وآلاف الشهداء وآلاف المصابين ... فكل تجارب التاريخ عبر كل العصور تعلمنا وتؤكد لنا أنه لا يوجد انقسام أو خلاف يستمر إلى ما لا نهاية ... وأن كل صراع مجتمعى لابد وأن ينتهى بالمصالحة ... ولنا فى تجارب جنوب إفريقيا ... والجزائر ... ورواندا ... العظة والدرس ... ولنا فى نجاح الهند وماليزيا القدوة والمثل ...

 

 

 

 

 

* الانقسام المجتمعى ظلام ... والمصالحة المجتمعية نور ...

* الانقسام المجتمعى أشواك ... والمصالحة المجتمعية زهور ...

* الانقسام المجتمعى مرض ... والمصالحة المجتمعية علاج ...

* الانقسام المجتمعى ضعف ... والمصالحة المجتمعية قوة ...

* الانقسام المجتمعى هدم ... والمصالحة المجتمعية بناء ...

 

 

الهدف من المصالحة ليس القضاء على العدالة ... وإنما هو محاولة الوصول إلى

 أقصى درجة ممكنة للعدالة  

 

 

 لو بدأنا معركة بين الماضى والحاضر ... فسوف نجد أننا خسرنا المستقبل

 " تشرشل [1] " ..

 

 

 

 

 

إننا نخسر من انقسامنا وصراعاتنا أكثر مما نخسر

من أفعال ومؤامرات أعدائنا ...

إننا ندمر أنفسنا بأنفسنا

 

 

 
 

[1] رئيس وزراء بريطانيا السابق  

مقرنا

المقر المؤقت : ميدان حلمية الزيتون

ارقام التواصل

01013900867

01125231372

البريد الالكترونىى

egyptelections2018@gmail.com